سورة البقرة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


في قلوب المنافقين مرض الشك، ويزيدهم الله مرضاً بتوهمهم أنهم نجوا بما لبَّسوا على المسلمين، ثم لهم عذاب أليم مؤلم، يَخْلُص وجعه إليهم في المآل. (وفي) الإشارة يحصل لمن خلط قصده بحظِّه، وشاب إرادته بهواه (أن) يتقدم في الإرادة بِقَدَم، ويتأخر بالحظوظ ومتابعة النَفْس بأخرى، فهو لا مريدٌ صادقٌ ولا عاقلٌ متثبت. ولو أن المنافقين أخلصوا في عقائدهم لأَمِنوا في الآخرة من العقوبة كما أَمِنوا في الدنيا من نحو بذلك الجزية وغير ذلك مما هو صفة أهل الشرك والذمة، كذلك لو صدق المريد في إرادته لوصل بقلبه إلى حقائق الوصلة، ولأدركته بركات الصدق فيما رامه من الظفر بالبُغية، ولكن حاله كما قيل:
فما ثبتنا فيثبت لنا عدل بلا حنف *** ولو خلصنا تخلصنا من المحن
وإن من سقمت عبادته حيل بينه وبين درجات الجنات، ومن سقمت إرادته حيل بينه وبين مواصلات القُرْبِ والمناجاة. وأمَّا من ركن إلى الدنيا واتَّبع الهوى فسكونُهم إلى دار الغرور سقم لقلوبهم، والزيادة في علتهم تكون بزيادة حرصهم؛ كلما وجدوا منها شيئاً- عَجَّلَ لهم العقوبة عليه- يتضاعف حرصهم على ما لم يجدوه.
ثم من العقوبات العاجلة لهم تشتتُ همومهم ثم تَبَغض عيشهم فيبغون بها عن مولاهم، ولم يكن لهم استمتاع ولا راحة فيما آثروه من متابعة هواهم، وهذا جزاء من أعرض عن صحبة مولاه، وفي معناه قيل:
تبدلت فتبدلنا واحسرتا *** لمن ابتغى عوضاً ليسلو فلم يجد
والإشارة في العذاب الأليم بما كانوا يكذبون إنما هي الحسرة يوم الكشف إذا رأوا أشكالهم الذين صدقوا كيف وصلوا، ورأَوْا أنفسهم كيف خسروا.


الإشارة منها: أنه إذا دعاهم واعظ في قلوبهم من خفي خواطرهم إلى ما فيه رشدهم تتبعوا رخص التأويل، ولبَّسوا على أنفسهم ما يشهد بقساوة قلوبهم، وحين جحدوا برهان الحق من خواطر قلوبهم نزع الله البركة من أحوالهم، وأبدلهم تصامُماً عن الحق، وابتلاهم بالاعتراض على الطريقة وسلبهم الإِيمان بها.
وكما أن المرتد أشد على المسلمين عداوة كذلك من رجع عن الإرادة إلى الدنيا والعادة فهو أشد الناس إنكاراً لهذه الطريقة، وأبعد من أهلها، وفي المَثَل: من اخترق كُدسه تمنى أن يقع بجميع الناس ما أصابه.
وإرفاق المرتدين عن طريق الإرادة- عند الصادقين منهم- غير مقبول كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل زكاة ثعلبة.
ويقال كفى لصاحب الكذب فضيحة بأن يقال له في وجهه كذبتَ، فهم لمَّا قالوا إنما نحن مصلحون، أكذبهم الحق سبحانه فقال: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}: إنَّا نَعْلَمُهم فَنَفْضَحُهم.


الإشارة منها أن المنافقين لما دُعُوا إلى الحق وصفوا المسلمين بالسَّفَه، وكذلك أصحاب الغنى إذا أُمِروا بِتَرْكِ الدنيا وصفوا أهل الرشْد بالكسل والعجز، ويقولون إن الفقراء ليسوا على شيء، لأنه لا مال لهم ولا جاه ولا راحة ولا عيش، وفي الحقيقة هم الفقراء وهم أصحاب المحنة؛ وقعوا في الذل مخافة الذل، ومارسوا الهوان خشية الهوان، شيَّدوا القصور ولكن سكنوا القبور، زيَّنوا المهد ولكن أُدرجوا اللحد، ركضوا في ميدان الغفلة ولكن عثروا في أودية الحسرة، وعن قريب سيعلمون، ولكن حين لا ينفعهم علمهم، ولا يغني عنهم شيء.
سوف ترى إذا انجلى الغبارُ *** أَفَرَسٌ تَحْتَكَ أم حمارُ

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8